أسباب الصبر عن المعصية - ابن القيم

"أسباب الصبر عن المعصية"

هذه أسباب ذكرها العلّامة ابن القيم رحمه الله في كتابه الرائع ( طريق الهجرتين وباب السعادتين ) تعين بعد حفظ الله وتوفيقه على ترك المعاصي وبغضها. نقلت لكم أبرزها بتصرّف يسير والله الموفق.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
والصبر عن المعصية ينشأ من أسباب عديدة:

١- أحدها: علم العبد بقبحها ورذالتها ودناءتها، وأن الله إنما حرمها ونهى عنها صيانة وحماية عن الدنايا والرذائل، وهذا السبب يحمل العاقل على تركها ولو لم يعلق عليها وعيد بالعذاب.

٢- السبب الثاني: الحياء من الله سبحانه، فإن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه وأنه بمرأى منه ومسمع- استحى من ربه أن يتعرض لمساخطه.

السبب الثالث: مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك، فإن الذنوب تزيل النعم ولا بدّ!  فما أذنب عبد ذنبا إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب، فإن تاب وراجع رجعت إليه أو مثلها، وإن أصر لم ترجع إليه، ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمة حتى تسلب النعم كلها، قال الله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}

قال بعض السلف: أذنبت ذنبا فحرمت قيام الليل سنة. وقال آخر: أذنبت ذنبا فحرمت فهم القرآن. 

وفى مثل هذا قيل:
إذا كنت فى نعمة فارعها ... فإن المعاصى تزيل النعم

وبالجملة فإن المعاصى نار النِّعم تأكلها كما تأكل النار الحطب، عياذاً بالله من زوال نعمته وتحويل عافيته.

السبب الرابع: خوف الله وخشية عقابه. وهذا إنما يثبت بتصديقه فى وعده ووعيده والإيمان به وبكتابه وبرسوله. وهذا السبب يقوى بالعلم واليقين ويضعف بضعفهما. قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}  قال بعض السلف: كفى بخشية الله علما وبالاغترار بالله جهلا.

السبب الخامس: محبة الله [سبحانه] وهى أقوى الأسباب فى الصبر عن مخالفته ومعاصيه. فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوى سلطان المحبة فى القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى! وفى هذا قال عمر: "نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه" يعنى أنه لو لم يخف من الله لكان فى قلبه من محبة الله وإجلاله ما يمنعه من معصيته! فالمحب الصادق عليه رقيب من محبوبه يرعى قلبه وجوارحه، وعلامة صدق المحبة شهود هذا الرقيب ودوامه.

السبب السابع: قوة العلم بسوء عاقبة المعصية، وقبح أثرها والضرر الناشيء منها: من سواد الوجه، وظلمة القلب، وضيقه وغمه، وحزنه وألمه، وانحصاره، وشدة قلقه واضطرابه، وتمزق شمله. وضعفه عن مقاومة عدوه، فإن الذنوب تميت القلوب! 

ومنها نقصان رزقه، فإن العبد يُحرم الرزق بالذنب يصيبه، ومنها ضعف بدنه، ومنها زوال المهابة والحلاوة التى لبسها بالطاعة فتبدل بها مهانة وحقارة، ومنها حصول البغضة والنفرة منه فى قلوب الناس!

ومنها الطبع والرين على قلبه، فإن العبد إذا أذنب نكت فى قلبه نكتة سوداء، فإن تاب منها صقل قلبه، وإن أذنب ذنبا آخر نكت فيه نكتة أخرى ولا تزال حتى تعلو قلبه، فذلك هو الران، قال الله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}. 

ومنها أنه يُحرم حلاوة الطاعة، فإذا فعلها لم يجد أثرها فى قلبه من الحلاوة والقوة ومزيد الإيمان والعقل والرغبة فى الآخرة.

ومنها علمه بفوات ما هو أحب إليه وخير له منها من جنسها وغير جنسها، فإنه لا يجمع الله لعبده بين لذة المحرمات فى الدنيا ولذة ما فى الآخرة.
كما قال تعالى {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} فالمؤمن لا يذهب طيباته في الدنيا، بل لا بد أن يترك بعض طيباته للآخرة.
وأما الكافر فإنه لا يؤمن بالآخرة فهو حريص على تناول حظوظه كلها وطيباته في الدنيا.

"وبالجملة فآثار المعصية القبيحة أكثر من أن يحيط بها العبد علما، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيط بها علما فخير الدنيا والآخرة بحذافيره فى طاعة الله، وشر الدنيا والآخرة بحذافيره فى معصيته، وفى بعض الآثار يقول الله سبحانه وتعالى: من ذا الذى أطاعنى فشقى بطاعتى؟ ومن ذاى الذى عصانى فسعد بمعصيتى؟".

والله أعلم وهو الحافظ والعاصم سبحانه جل جلاله.

جمعها : عبدالله الزوبعي
بتاريخ: ٣٠/ ٣/ ١٤٣٧ هجري
تابع القراءة ←
;