فوائد من كتاب: تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم

فوائد من كتاب ( تذكرة السامع والمتكلّم في أدب العالم والمتعلِّم ) لمؤلفه: بدر الدين بن جماعة الكناني رحمه الله


١- قال ابن سيرين: كانوا يتعلّمون الهُدى كما كانوا يتعلّمون العلم.

٢- قال مخلد بن الحسين لإبن المبارك: نحن إلى كثير من الأدب أحوجُ منّا إلى كثير من الحديث.

٣- قال علي رضي الله عنه: كفى بالعلم شرَفاً أن يدّعيه من لا يُحسِنُه ويفرح به إذا نُسِب إليه، وكفى بالجهل ذماً أن يتبرأ منه من هو فيه.

٤- قال أبو مسلم الخولاني: العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء، إذا بدَتْ للناس اهتدوا بها، وإذا خفيَت عليهم تحيّروا.

٥- قال أبو الأسود الدؤلي: ليس شيء أعزّ من العلم، الملوك حكّام على الناس، والعلماء حكّام على الملوك.

٦- قال سفيان الثوري: ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم.  وقال الزُهري: ما عُبِد الله بمثل الفقه.

٧- قال المؤلف رحمه الله: واعلم أنّ جميع ماذُكر في فضيلة العلم والعلماء، إنما هو في حق العلماء العاملين الأبرار المتّقين، الذين قصدوا به وجه الله، لا من طلبه بسوء نيّه أو خُبث طويّه.

٩- قال الشافعي: ليس العلم ما حُفظ، العلم ما نفَع.

١٠- جاء عن السلف: حق على العالم أن يتواضع لله في سرّه وعلانيته، ويحترس من نفسه ويقف عمّا أشكل عليه.

١١- قال المؤلف: وأقلّ درجات العالِم أن يستقذر التعلّق بالدنيا، لأنه أعلم الناس بخسّتها وفتنتها وسرعة زوالها.

١٢- قال المؤلف: ومن آداب العالم: أن ينزّه علمه عن جعله سُلّماً يُتوصّل به إلى الأغراض الدنيوية.

١٣- قال الشافعي: وددت أن الخلق تعلّموا هذا العلم على أن لايُنسب إليّ حرفٌ منه.

١٤- قال المؤلف: فإن العلماء هُم القدوة وإليهم المرجِع في الأحكام، وهم حجّة الله على العوام، وقد يراقبهم للأخذ عنهم من لاينظرون، ويقتدي بهديهم من لايعلمون.

١٥- قال سعيد بن جبير: لايزال الرجل عالماً ماتعلّم، فإذا ترك التعلّم وظن نفسه قد استغنى واكتفى بما عنده، فهو أجهل مايكون.

١٦- كان جماعة من السلف يستفيدون من طلبتهم ماليس عندهم.

١٧- كان الشافعي إذا ناظرَه إنسانٌ في مسألة فعدَا إلى غيرها، يقول: نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلي ماتُريد.

١٨- قال المؤلف: وإنما يأنف من قول "لا أدري" من ضعُفت ديانته وقلّت معرفته، لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاظرين، وربما يشتهر خطؤه بين الناس فيقع فيما فرّ منه.

١٩- قال ﷺ :  (المتشبّعُ بما بم يُعطَ، كلابس ثوبي زور). رواه البخاري ومسلم.  وقال الشّبلي: "من تصدّر قبل أوانه، فقد تصدّى لهوانه".

٢٠- قال بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلّا لله.

٢١- قال ابن عباس: أكرم الناس عليّ جليسي الذي يتخطّى رقاب الناس إليّ، لو استطعت أن لايقع الذُباب عليه لفعَلت. وفي رواية " إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني.

٢٢- يُقال: العلم لايعطيك بعضه حتى تعطيه كُلّك.

٢٣- قال المؤلف: ومن رام الفلاح في العلم وتحصيل البغية منه مع كثرة الأكل والشرب والنوم، فقد رام مستحيلاً في العادة.

٢٤- كان بعض السلف إذا ذهب إلى شيخه، تصدّق بشيء وقال: اللهم استر عيب شيخي عنّي، ولاتُذهِب بركة علمه منّي.

٢٥- قال عطاء: إنّي لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به منه، فأُريه من نفسي أنّي لا أُحسن منه شيئا.

٢٦- قال المؤلف: وينبغي أن يتذاكر طلّاب مجلس الشيخ ماوقع فيه من الفوائد، وأن يعيدوا كلام الشيخ فيما بينهم فإن في المذاكرة نفعاً عظيما.


جمعها / عبدالله الزوبعي
بتاريخ:  ١٠/ ٧/ ١٤٣٦ هجري
تابع القراءة ←

فوائد من كتاب: تصنيف الناس بين الظن واليقين

بسم الله الرحمن الرحيم، هذه بعض الفوائد من كتاب (تصنيفُ النّاس بين الظنّ واليقين) للعلّامة بكر أبو زيد رحمه الله تعالى، والذي قال في مقدّمته " لكنّها أحرف جريئة في ورقات قليلة، تقرع جرس النذارة من هذه المكيدة(تصنيف الناس) اعتداءً و(تجريحهم) بغياً وعُدواناً، فتكشف هذه الظاهرة بجلاء، بنصوص واضحة وقوارع من نصوص الوحيين ظاهرة "

إلى الفوائد:


١- ولِعظم الجناية على العلماء، صار من المعقود في أصول الإعتقاد (ومن ذكَرَهم بسوء فهو على غير السبيل).

٢- قال ابن تيمية رحمه الله: فمن الناس من يغتاب موافقةً لجُلسائة وأصحابه، مع علمه أن المُغتاب بريء مما يقولون، أو فيه بعض مايقولون، لكن يرى لو أنه أنكر عليهم قطع المجلس واستثقله أهل المجلس ونفروا عنه، فيرى موافقتهم من حُسْن المعاشرة وطيب المصاحبة، وقد يغضبون فيغضب لغضبهم فيخوض معهم !!

٣- وأمّا وقيعة الفُسّاق في أهل الفضل والدين، فعلَى شبَهٍ ممن قال الله فيهم ( وإذا تُتلى عليهم آياتنا بيّناتٍ تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ).

٤- إذا علمت أن النبي ﷺ قال: (من يضمن لي مابين لحييه ومابيت فرجيه أضمن له الجنة) علِمت أن هذه "الضمانة" لاتُعلّق إلا على أمر عظيم.

٥- وبالجملة فهذا "القطيع" (يقصد من يطعنون في الصالحين بغير حق) فهؤلاء مُقرّنون بأصفاد: الغلّ والحسد والإفك والهمز واللمز. نعوذ بالله من حالهم.

٦- قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله ( واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته؛ أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتكِ أستار متنقصيهم معلومة، لأن الوقيعة فيهم بما هُم منه بُراء أمرٌ عظيم).

٧- وكم لبعض المشاهير من العلماء من زلّات، لكنها مُغتفرة بجانب ماهم عليه من الحق والهُدى والخير الكثير، ولو أخذ كل إنسان بهذا لما بقي معنا أحد.

٨- ومتى صار من دين الله: فرح المسلم بمقارفة أخيه المسلم للآثام.

٩- ألا إن هذا التصيّد( أي عثرات المسلمين) داء خبيث متى ماتمكّن من نفس أطفأ مافيها من نور الإيمان، وصيّر القلب خراباً، نعوذ بالله من الخذلان.

١٠- يحمل ظاهرة فُشوّ التصنيف اثنين:
الأول: التفريط في الغيرة على الحق. الثاني: غياب العالم القدوة عن القيام بدوره الجهادي بلا تذبذب.

١١- ومحاصرةً للظلم وأهله، فقد جاءت النصوص ناهية عن مُعاشرة الظالم والركون إليه، وتولّيه، والرُكون إليه والقُعود معه (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين).

١٢- وتجريح الناس وتصنيفهم بغير حق، شعبة من شعب الظلم فهو من كبائر الذنوب والمعاصي.

١٣- قال الطحاوي رحمه الله في بيان معتقد أهل السنة والجماعة في ذلك  "وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين" أهل الخير والأثر" وأهل الفقه والنظر لايُذكرون إلاّ بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل"

١٤- فإذا رأيت هذا القطيع (يقصد الذين يطعنون في الصالحين) فكبّر عليهم، وولّهم ظهرك، وإن استطعت صدّ هجومهم وصيالهم فهو من دفع الصائل.

١٥- ومن جرّم المُخطىء في خطئه الصادر عن اجتهاد له فيه مسرَحٌ شرْعاً، فهو صاحب هوى يحمل التبعة مرّتين: تبعَة التجريم، وتبَعة حرمان الناس من علمه.

١٦- وبالجملة فهي فتنة مُضلّة، والقائم بها مفتون!!


والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

جمعها / عبدالله الزوبعي
بتاريخ: ٢٧/ ٦ / ١٤٣٦ هجري
تابع القراءة ←

مقتطفات من نونيّة القحطاني رحمه الله

ستر الله :

والله لو علموا قبيح سريرتي     ...   لأبى السلامَ عليّ من يلقاني
ولأعرضوا عنّي وملّوا صحبتي ...   ولبؤتُ بعد كرامةٍ : بهوانِ
لكن سترت معايبي ومثالبي      ...   وحلِمت عن سقَطي وعن طُغياني
فلكَ المحامِدُ والمدائحُ كلّها       ...   بخواطري وجوارحي ولساني



الرافضة:

إن الروافضَ شرّ من وطئَ الحصى ...   من كُلٍ إنسٍ ناطقٍ أو جانِ
مدحوا النبيّ وخوّنوا أصحابهُ        ...   ورموهمُ بالظلمِ والعُدوانِ



أبو بكر الصديق رضي الله عنه:

هو شيخ أصحابُ النبيِّ وخيرهم ...   وإمامُهم حقاً بلا بُطلانِ
وأبو المطهّرةِ التي تنزيهها      ...   قد جاءنا في النورِ والفرقانِ


الخلوات:

وإذا خلوتَ بريبةٍ في ظُلمةٍ      ...   والنفسُ داعيةً إلى العصياني
فاستحيي من نظر الإلهِ وقل لها ...   إن الذي خلق الظلام يراني


الفلسفة:

يا فيلسوفُ لقد شُغِلت عن الهدى ...  بالمنطق الروميّ واليوناني
وشريعةُ الإسلام أفضلُ شِرعةٍ   ...  دين النبيّ الصادق العدنانِ


الأعمال بالنيات:

فأساسُ أعمال الورى نيّاتهم ... وعلى الأساسِ قواعدَ البنيانِ


ذم الجدال :


لا تفن عمرك في الجدال مخاصماً   ...    إن الجدال يُخلُّ بالأديانِ
واحذر مجادلةِ الرجال فإنها          ...    تدعو إلى الشحناءِ والشنآنِ
وإذا اضطررت إلى الجدال ولم تجد ...    لك مهرباً وتلاقت الصفّانِ
فاجعل كتاب الله درعاً سابغا         ...    والشرع سيفُكَ وابْد في الميدانِ
والسُنّة البيضاء دونك جنةٌ           ...    واركب جواد العزم في الجولان
واثبت بصبرك تحت ألوية الهدى   ...    فالصبر أوثق عدة الإنسانُ
واطعن برمح الحق كل معاندٍ       ...    لله در الفارس الطعّانُ
واحمل بسيف الصدق حملة مخلصْ ...   متجرد لله غير جبانِ



ابيات متفرّقه:


* الدين رأسُ المال فاستمسك بهِ ... فضياعهُ من أعظم الخسرانِ



* لا تقبلنّ من النساء مودةً    ......   فقلوبهنّ سريعةُ الميَلانِ



* كُن محسناً فيما استطعت فرُبّما ... تُجزى عن الإحسان بالإحسانِ
     واعمل لجناتِ النعيم وطيبها .... فنعيمها يبقى وليس بفانِ



* حملوا الأمورَ على قياس عقولهم ... فتبلّدوا كتبلُّدِ الحيرانِ




* لا تُشغلن بعيب غيرك غافلاً  .... عن عيب نفسك إنه عيبانِ




* بالله قولوا كُلّما أنشدتمُ  .... رحِم الإلهَ صداكَ يا قحطاني


انتقاها / عبدالله الزوبعي
بتاريخ ١٦/ ٦/ ١٤٣٦ هجري
تابع القراءة ←

العبادة في زمن الفتن

بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد: فهذه كلمات يسيره تحث على كثرة العبادة في زمن الفتنة كما هو ظاهر الموضوع، نسأل الله أن ينفع بها المسلمين.


١- عن معقل بن يسار أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " العبادة في الهرج كهجرة إليّ " رواه مسلم

٢- وقال صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا. رواه مسلم.

الحديث الأول يدل على فضل العبادة في زمن الهرج وهو كثرة القتل، ولو لم يكن في فضلها إلّا أنها كهجرة إلى النبي ﷺ لكفى!!  وفي الحديث الثاني: الحثّ على التزوّد من العبادة وهي اسم جامع لكل مايحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الصالحة، فالحث على التزوّد والاستكثار منها، وأنها سبب للنجاة والثبات في زمن الفتن والتقلّبات.


وإليكم بعض أقوال أهل العلم في ذلك


١- قال ابن الجوزي رحمه الله :

إذا عَمَّت الفتن اشتغلت القلوب ، وإذا تعبَّد حينئذٍ متعبِّد، دلَّ على قُوَّة اشتغال قلبه بالله عز وجل - فيَكْثُر أجره .


٢- قال القرطبي:

الفتن ستقع حتى يخفّ أمر الدين ويقل الاعتناء بأمره ، ولا يَبْقَى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه ومن ثَمَّ عَظُم قدرُ العبادة أيام الفتنة.


٣- قال النووي :

وسبب كثرة فضل العبادة في الفتن أن الناس يَغْفُلون عنها ويَشْتَغلون عنها ولا يتفرَّغ لها إلا أفراد .


٤- قال ابن العربي:

إذا وقَعَت الفتن تعيَّن على المرء أن يفرَّ بدينِه من الفتنة إلى العبادة ويَهْجُر أولئك القوم وتلك الحالة وهو أحد أقسام الهجرة .


(( اللهم يامقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك.))

جمعها  / عبدالله الزوبعي
بتاريخ ١٩/ ٦/ ١٤٣٦ هجري
تابع القراءة ←

فصول من صيد الخاطر .

فصول من كتاب صيد الخاطر

بسم الله الرحمن الرحيم، هذه عشرُ فصولٍ ثمينة انتقيتها من كتاب صيد الخاطر، وقد انتقيت سابقاً فوائد قصيرة لمن أراد أن يطّلع عليها يجدها في المدونة.


١- فصل المواعظ وتأثيرها !!
قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة، فإذا انفصل عن مجلس الذكر، عادت القسوة والغفلة، فتدبرت السبب في ذلك، فعرفته. ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها؛ لسببين:
أحدهما: أن المواعظ كالسياط، والسياط لا تؤلم بعد انقضائها، وإيلامها وقت وقوعها.
والثاني: أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلة، قد تخلى بجسمه وفكره عن أسباب الدنيا، وأنصت بحضور قلبه؛ فإذا عاد إلى الشواغل، اجتذبته بآفاتها، فكيف يصح أن يكون كما كان؟! وهذه حالة تعم الخلق؛ إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر، فمنهم من يعزم بلا تردد، ويمضي من غير التفات، فلو توقف بهم ركب الطبع، لضجوا، كما قال حنظلة عن نفسه ( نافق حنظلة) ومنهم أقوامٌ يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحيانًا، ويدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحيانا، فهم كالسنبلة تميلها الرياح، وأقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه، كماء دحرجته على صفوان.


٢- فصل - مُراقبة العواقب
من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها نال خيرها، ونجا من شرها، وبيان هذا في المستقبل يتبين بذكر الماضي، وهو أنك لا تخلو أن تكون عصيت الله في عمرك، أو أطعته، فأين لذة معصيتك؟! وأين تعب طاعتك؟! هيهات، رحل كل بما فيه، فليت الذنوب إذا تَخَلَّتْ خَلَّتْ!  (فراقب العواقب تسلم ولا تمل مع الهوى فتندم)
 
٣- فصل ( لو لم تُذنبوا )
النفس لو دامت لها اليقظة، لوقعت فيما هو شر من فوت ما فاتها، وهو العجب بحالها، والاحتقار لجنسها!! وربما ترقت بقوة علمها وعرفانها إلى دعوى قولها: "لي، وعندي، واستحق ... " فتركها في حومة ذنوبها تتخبط، فإذا وقفت على الشاطيء، قامت بحق ذلة العبودية وذلك أولى لها !!  هذا حكم الغالب من الخلق، ولذلك شُغلوا عن هذا المقام، فمن بذر، فصلح له، فلا بد له من هفوة تراقبها عين الخوف من عقابها رفقًا بها، تصح له عبوديته، وتسلم له عبادته، وإلى هذا المعنى أشار الحديث الصحيح: "لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم"


٤- فصل: إذا كانت بعض المخلوقات لا تُعْلَمُ إلّا جُملةً فالخالق أجلّ وأعلى !!
يقول ابن الجوزي: رأيت كثيرًا من الخلق وعالمًا من العلماء لا ينتهون عن البحث، عن أصول الأشياء التي أمروا بعلم جملها من غير بحث عن حقائقها! كالروح مثلًا، فالله تعالى سترها بقوله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} فلم يقنعوا، وأخذوا يبحثون عن ماهيتها، ولا يقعون بشيء، ولا يثبت لأحد منهم برهان على ما يدعيه! وكذلك العقل، فإنه موجود بلا شك، كما أن الروح موجودة بلا شك، كلاهما يعرف بآثاره، لا بحقيقة ذاته.
فإن قال قائل: فما السر في كتم هذه الأشياء؟ قلت: لأن النفس ما تزال تترقى من حالة إلى حالة، فلو اطلعت على هذه الأشياء، لترقت إلى خالقها، فكان ستر ما دونه زيادة في تعظيمه؛ لأنه إذا كان بعض مخلوقاته يعلم جُمْلة، فهو أجل وأعلى.


٥- فصل  ( تلبيس إبليس على العلماء )
يقول ابن الجوزي: يامن يقرأ تحذيري من التخليط، فإني وإن كنت خنت نفسي بالفعل- نصيحٌ لإخواني بالقول: احذروا إخواني من الترخّص فيما لا يؤمن فساده؛ فإن الشيطان يزين المباح في أول مرتبة، ثم يجر إلى الجناح، فتلمحوا المآل، وافهموا الحال! وربما أراكم الغاية الصالحة، وكان في الطريق إليها نوع مخالفة!
فيكفي الاعتبار في تلك الحال بأبيكم: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} إنما تأمل آدم الغاية -وهي الخلد- ولكنه غلط في الطريق! وهذا أعجب مصايد إبليس التي يصيد بها العلماء، يتأولون لعواقب المصالح، فيستعجلون ضرر المفاسد!!
مثاله: أن يقول للعالم: ادخل على هذا الظالم، فاشفع في مظلوم! فيستعجل الداخل رؤية المنكرات، ويتزلزل دينه، وربما وقع في شرك صار به أظلم من ذلك الظالم. فمن لم يثق بدينة، فليحذر من المصايد، فإنها خفية، "وَأَسْلَمُ ما للجبان العزلة، خصوصًا في زمان قد مات فيه المعروف، وعاش المنكر، ولم يبق لأهل العلم وقع عند الولاة، فمن داخلهم، دخل معهم فيما لا يجوز، ولم يقدر على جذبهم مما هو فيه".
ثم من تأمل حال العلماء الذين يعملون لهم في الولايات، يراهم منسلخين من نفع العلم، قد صاروا كالشرط، فليس إلا العزلة عن الخلق، والإعراض عن كل تأويل فاسد في المخالطة؛ ولأن أنفع نفسي وحدي خير لي من أن أنفع غيري وأتضرر، فالحذر الحذر من خوادع التأويلات، وفواسد الفتاوى! والصبر الصبر على ما توجبه العزلة! فإنه إن انفردت بمولاك، فتح لك باب معرفته، فهان كل صعب، وطاب كل مر، وتيسر كل عسر، وحصلت كل مطلوب، والله الموفق بفضله، ولا حول ولا قوة إلا به.


٦- فصل  ( ممّا يقوّي الصبر )
قال المؤلف رحمه الله: ومما يقوّي الصبر على الحالتين: النقل، والعقل: أما النقل، فالقرآن والسنة.
أما القرآن، فمنقسم إلى قسمين:

أحدهما: بيان سبب إعطاء الكافر والعاصي، فمن ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} وقوله تعالى {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا}  وفي القرآن من هذا كثير.
والقسم الثاني: ابتلاء المؤمن بما يلقى، كقوله تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} وفي القرآن من هذا كثير.

وأما السنة، فمنقسمة إلى قول وحال:
 أما الحال، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يتقلب على رمال حصير تؤثر في جنبه، فبكى عمر رضي الله عنه، وقال: كسرى وقيصر في الحرير والديباج! فقال صلى الله عليه وسلم: "أفي شك أنت يا عمر؟! ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟! "

وأما القول، فكقوله عليه الصلاة والسلام: "لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربة ماء"
وأما العقل، فإنه يقوي عساكر الصبر بجنود منها: أن يقول: قد ثبتت عندي الأدلة القاطعة على حكمة المقدر، فلا أترك الأصل الثابت لما يظنه الجاهل خللًا.


٧-  فصل ( الذنوب تمنع إجابة الدعاء )
رأيت من نفسي عجبا! تسأل الله عز وجل حاجاتها، وتنسى جناياتها!! فقلت: يا نفس السوء! أو مثلك ينطق؟! فإن نطق، فينبغي أن يكون السؤال العفو فحسب. فقالت: فممن أطلب مراداتي؟! قلت: ما أمنعك من طلب المراد، إنما أقول: حققي التوبة وانطقي، " فالله الله من جراءة على طلب الأغراض، مع نسيان ما تقدم من الذنوب، التي توجب تنكيس الرأس".


٨- فصل  ( لاتنخدع بمظاهر الودّ )
كان لنا أصدقاء وإخوان أعتدّ بهم؛ فرأيت منهم من الجفاء وترك شروط الصداقة والأخوّة عجائب، فأخذت أعتب، ثم انتبهت لنفسي، فقلت: وما ينفع العتاب؛ فإنهم إن صلحوا، فللعتاب لا للصفاء؟! فهممت بمقاطعتهم! ثم تفكرت، فرأيت الناس بين معارف وأصدقاء في الظاهر، وإخوة مباطنين، فقلت: لا تصلح مقاطعتهم؛ إنما ينبغي أن تنقلهم من ديوان الأخوة إلى ديوان الصداقة الظاهرة، فإن لم يصلحوا لها، نقلتهم إلى جملة المعارف، وعاملتهم معاملة المعارف، ومن الغلط أن تعاتبهم، وجمهور الناس اليوم معارف، ويندر فيهم صديق في الظاهر؛ فأما الأخوة والمضافاة، فذاك شيء نسخ، فلا يطمع فيه، وما أرى الإنسان تصفو له أخوة من النسب ولا ولده ولا زوجته، فدع الطمع في الصفا، وخذ عن الكل جانبا، وعاملهم معاملة الغرباء! وإياك أن تنخدع بمن يظهر لك الود، فإنه مع الزمان يبين لك الحال فيما أظهره، وربما أظهر لك ذلك لسبب يناله منك!! وقد قال الفضيل بن عياض: "إذا أردت أن تصادق صديقا، فأغضبه، فإن رأيته كما ينبغي، فصادقه" وهذا اليوم مخاطرة؛ لأنك إذا أغضبت أحدا، صار عدوا في الحال، والسبب في نسخ حكم الصفا: أن السلف كانت همتهم الآخرة وحدها، فصفت نياتهم في الأخوة والمخالطة، فكانت دينا لا دنيا، والآن، فقد استولى حب الدنيا على القلوب.


٩- فصل  ( أضرار مخالطة الناس )
قال: ومنها مخالطة الناس خصوصا العوام والمشي في الأسواق، فإن الطبع يتقاضى الشهوات، وينسى الرحيل عن الدنيا، ويحب الكسل عن الطاعة والبطالة والغفلة والراحة، فيثقل على من ألف مخالطة الناس التشاغل بالعلم، أو بالعبادة، ولا يزال يخالطهم حتى تهون عليه الغيبة، وتضيع الساعات في غير شيء،، فمن أراد اجتماع همه، فعليه بالعزلة، بحيث لا يسمع صوت أحد.
قال: وما رأيت أكثر أذىً للمؤمن من مخالطة من لا يصلح، فإن الطبع يسرق؛ فإن لم يتشبه بهم، ولم يسرق منهم، فتر عن عمله!! فإن رؤية الدنيا تحث على طلبها، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سترا على بابه، فهتكه وقال: " ما لي وللدنيا؟! "، ولبس ثوبا له طراز، فرماه، وقال: "شغلتني أعلامه". وكذلك رؤية أرباب الدنيا، ودورهم وأحوالهم، خصوصا لمن له نفس تطلب الرفعة.


١٠- فصل  ( لايكن علمك حجةً عليك )
قال ابن الجوزي: وقد حكى بعض المعتبرين، عن شيخ أفنى عمره في علوم كثيرة، أنه فتن في آخر عمره بفسق أصر عليه، وبارز الله به، وكانت حاله تعطى بمضمونها: أن علمي يدفع عني شر ما أنا فيه، ولا يبقى له أثر! وكان كأنه قد قطع لنفسه بالنجاة، فلا يرى عنده أثر لخوف، ولا ندم على ذنب!! قال: فتغير في آخر عمره، ولازمه الفقر؛ فكان يلقى الشدائد، ولا ينتهي عن قبح حاله، إلى أن جمعت له يوما قراريط على وجه الكدية، فاستحيا من ذلك، وقال: يا رب! إلى هذا الحد؟! قال الحاكي: فتعجبت من غفلته، كيف نسي الله عز وجل، وأراد منه حسن التدبير له، والصيانة، وسعة الرزق؟! وكأنه ما سمع قوله تعالى: {وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} ولا علم أن المعاصي تسد أبواب الرزق، وأن من ضيع أمر الله ضيعه الله؟! فما رأيت علما ما أفاد كعلم هذا؛ لأن العالم إذا زل انكسر، وهذا مصر، لا تؤلمه معصيته، وكأنه يجوز له ما يفعل، أو كان له التصرف في الدين تحليلا وتحريما، فمرض عاجلا، ومات على أقبح حال..
قال الحاكي: ورأيت شيخا آخر، حصل صور علم فما أفادته، كان أي فسق أمكنه، لم يتحاش منه، وأي أمر لم يعجبه من القدر، عارضه بالاعتراض على المقدر واللوم، فعاش أكدر عيش، وعلى أقبح اعتقاد، حتى درج!! وهؤلاء لم يفهموا معنى العلم، وليس العلم صور الألفاظ؛ إنما المقصود فهم المراد منه، وذاك يورث الخشية والخوف، ويري المنة للمنعم بالعلم، وقوة الحجة له على المتعلم.. نسأل الله عز وجل يقظة تفهمنا المقصود، وتعرفنا المعبود. ونعوذ بالله من سبيل رعاع يتسمون بالعلماء، لا ينهاهم ما يحملون، ويعلمون ولا يعملون، ويتكبرون على الناس بما لا يعملون، ويأخذون عرض الأدنى، وقد نهوا عما يأخذون، غلبتهم طباعهم، وما راضتهم علومهم التي يدرسون، فهُم أخسّ حالا من العوام الذين يجهلون، {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}.


جمعها / عبدالله الزوبعي
بتاريخ: ١٣/ ٦ / ١٤٣٦ هجري
تابع القراءة ←
;